المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية

‭+966557025231‬

waqftaiba@gmail.com

الحمد لله والصلاة والسلام على الرحمة المهداة لهذه الأمة وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،،

فإن الدنيا مزرعة الآخرة وهي دار التكليف والعمل، ومن فضل الله ومنته أن أعمال المسلم لا تنقطع بموته وخروجه من الدنيا بل هناك أعمالاً تجري حسناتها له بعد وفاته, ولقد علم سلف الأمة هذا الخير فسابقوا إليه وتنافسوا فيه, وتطلعت أنفسهم لعمل يجري به الثواب بعد الموت امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عملها إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].

وقد شرع الله تبارك وتعالى الوقف وندب إليه وجعله قربة من القرب التي يتقرب بها إليه؛ ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته، بعد موته، علماً نشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورَّثه، ومسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه بعد موته» [رواه ابن ماجة وحسنه الألباني].

والوقف: هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وهو صدقة جارية يقفها المرء ويُسبِّلها في حياته لوجوه الخير والبر، فيستمر أجرها جارياً ما دامت باقية, وفي هذا عظيم المنفعة للواقف بإجراء حسنات له في حياته وبعد مماته، لما في ذلك من فضائل الوقف النافعة التي تعين على الخير والأعمال الصالحة، وتعين أهل العلم والعبادة، وتسد حاجات الفقراء والمساكين، والمرضى والمعوزين، وترفع راية الدين بنشر العلم النافع، وبناء المدارس ودور الأيتام.

قال جابر رضي الله عنه: "فما أعلم أحداً كان له مال من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالاً من ماله صدقةً مؤبدةً لا تُشترى أبداً، ولا توهب، ولا تورث".

عندما يجتمع احسان العمل مع شرف المكان ويتزامن مع فاضل الزمان فهل بعد هذا إحسان, وهذا هو (وقف طيبة للقرض الحسن)عمل ممتد نفعه في خير البقاع ومدينة خير البشر عليه الصلاة والسلام.

أعمال صالحة لا يصلح أن يغفل عنهنّ؛ لأنه إذا غفل التاجر عن موسم الربح، فمتى يربح؟ "وإن من أعظم علامات الإيمان: محبة الخير، والرغبة فيه، والسرور بفعله".

(فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) إنه العمل الصالح الخفي سبب في تفريج الكربات وقبول الدعاء, ففي حديث أهل الغار الذين سَدّت عليهم الصخرة مخرجه، وتقطعت بهم الأسباب، فلم ينفعهم إلا التوسل إلى الله بخبايا أعمال صالحة لهم، أحيطت بسياج من الإخلاص والعبودية لله عز وجل، فكانت سبباً لتفريج كُرَبهم وخروجهم من الغار, عن الزبير بن العوّام رضي الله عنه أنه قال: (من استطاع منكم أن يكون له خِبْءٌ من عمل صالح فليفعل).

 

أ.د. بسمة بنت أحمد جستنية
أستاذ الأديان والعقيدة بجامعة طيبة
زمالة عالمية في الحوار من مركز الملك عبدالله للحوار فيينا-النمسا

Top