بواسطة: د. إبراهيم بن محمد السماعيل
سُنةَ الوقف سنةً خيرية امتاز بها المجتمع المسلم تؤكد على المدى الذي وصل إليه المسلمون في تحقيق الأمن الاجتماعي التكافلي الذي أرسوا عبره أمنهم الثقافي والروحي والأخلاقي، ويمثل الوقف معلمًا بارزًا في حضارتنا الإسلامية، ومفخرة من مفاخر هذه الأمة، أسهم بدور كبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات الإسلامية، وفتح المجال لتطبيق قيمة التكافل بين المسلمين واقعًا عمليًا، فتسابقوا في بذل المعروف وفعل الخيرات على ما كان بهم من فاقة وحاجة حتى لا تكاد تخلو بلدة من بلدان المسلمين من أوقاف متنوعة غطت جميع مناحي الحياة واحتياجات المجتمع، مستشعرين قوله تعالى في وصف الأنصار رضي الله عنهم: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر: ٩، وقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم (إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ : مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) أخرجه مسلم، وقد أدّت الأوقاف دوراً اجتماعيًا تكافليًا كبيرًا أثمر نفعًا لا يستهان به في مواجهة الكثير من احتياجات المجتمع المسلم، بل كان نفعها سببًا بعد الله عز وجل في الإبقاء على كثير من أرواح الناس ودفع الهلاك عنهم وخصوصاً في أوقات المجاعات والمساغب التي توالت على بعض بلدان المسلمين وأجبرتهم على أكل الميتة والجلود وغيرها.
وعلى الرغم من الدور الكبير للوقف إلا أنه تضافرت مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية أسهمت في ضمور الوقف وتراجع المؤسسات الوقفية في المائة سنة الأخيرة .
وفي العقدين الماضيين برز ما يمكن تسميته "صحوة وقفية" تمثلت في ثقافة وقفية ساهمت في انتشار الاهتمام بتفعيل دور الوقف في المجتمعات الإسلامية عمومًا وبرزت تجارب جديدة تستفيد من مستجدات العصر وتثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن الوقف قادر على العطاء أكثر لخدمة المجتمع .
والمملكة العربية السعودية وهي الدولة الرائدة في العمل الخيري تشهد في السنوات الأخيرة حراكًا وقفيًا يمثل درجة الوعي الذي وصل اليه المجتمع في مجال العمل الخيري حيث تسابق المحسنون من اصحاب الايادي البيضاء لوقف جزء من أموالهم على أعمال الخير طلبًا للأجر من الله سبحانه وتعالى فانتشرت الأوقاف الخيرية بمختلف انواعها وأصبحت تدار بنظمٍ ادارية مؤسسية وظهر أثر مساهماتها الخيرية التنموية في المجتمع بشكل واضح ، وتحول الوقف الى ثقافة مجتمعية عقدت من أجلها المؤتمرات والملتقيات والحوارات، وازهرت وتنامت البحوث والدراسات، وأنشئت المراكز الاستشارية والجمعيات الأهلية المتخصصة بتقديم الخدمات والاستشارات الوقفية، مما ساهم في ازدياد الاقبال عليها، ونمو مساهماتها التنموية التي بناء المجتمع وضمان تماسكه وتلاحمه.